بلاك بيري .. هو اليوم المحطة الجديدة في الحياة الاجتماعية والشبابية وهو مصدر المعلومات للجميع بالإضافة الى المظهر الرائع والمباهاة الشبابية ورغم ذلك فهو لا يخلو من الفائدة القصوى التي تجعل المرء يعيش في منزله كما في مكتبه كما في سيارته وهو على اتصال بالعالم والاصدقاء والجميع، فمن لا يريد التواصل الدائم مع البشر ومن لا يريد الصداع والمرح والغزل والمباهاة والفائدة العلمية والمعلوماتية مع اجراء الاعمال خلال 24 ساعة؟
هذا هو عالم اليوم الذي لا مفر منه. انتشار البلاك بيري بين فئة الشباب دليل على ان الشباب هم الطليعة في كل ما له علاقة بالعصر وثورة التكنولوجيا المعلوماتية بعكس الاجيال السياسية والاجتماعية التي تعيش في عصر آخر لاتملك منه سوى النقد والتبرم من الشباب الذين مهما كانت موجات حماسهم الا انهم يشكلون اليوم صورة المجتمع الجديد. من يتابع نشرات ومقالات وبرامج التلفزيون وبيانات الجمعيات السياسية الحقوقية وغيرها من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني ومن يراقب الاباء والامهات والمدرسين والمدرسات والمربين وحتى الكثير من المسؤولين في التربية والتعليم والجامعات، سيدرك لدى التركيز على الاحداث والوقائع ان هناك انفصاماً وانفصالاً وانقطاعاً وكل اشكال التنافر بين الاجيال التي تعيش اليوم على البلاك بيري وبين الذين ما زالوا يصدرون البيانات السياسية التي تردد نفس الخطابات والشعارات منذ سنوات، بل ان هناك الكثير من الاجيال المنفصلة عن هذا الجيل سواء من السياسيين والمعلمين او التربويين وحتى من علماء النفس الذين يعملون في عياداتهم منذ سنوات من دون ان يتواصلوا مع مخرجات علم النفس الجديد ومن دون ان يطوروا ادواتهم واساليبهم البالية التي يعيشون عليها من بقايا فرويد.
ابناؤنا اليوم اكثر قدرة منا ومن اجدادنا على فهم الحياة ولعبها والتعامل معها والذين يتهمون الابناء بالسلبية وبعدم القدرة على التعاطي مع العصر هم اولئك الذين فشلوا في حياتهم الماضية في تكوين محيط من النجاحات الاجتماعية والعملية، وكل من ينتقد الجيل الحالي فهو عاجز عن مجاراة هذا الجيل بما يزخر به من التكنولوجيا والمعلومات والتعقيد الذي يشبه الطلاسم عند البعض، صحيح اننا ننتقد تلك الايدي التي تمسك بالبلاك بيري ولكن الا ندرك ان العقل الذي يسير هذا البلاك هو عقل الشاب او الشابة ويجري وراء الابعد من الهاتف ومن المسنجر، فهناك عالم يأخذ الابناء اليه هو عالم المجرات التكنولوجية التي لم يستطع الكبار جيل الأمس من مجاراتها وبالتالي يصبون غضب فشلهم واخفاقهم في اللحاق بعصر المعلوماتية على جيل الشباب اليوم الذي يمثل ذروته الآن البلاك بيري.
هناك اليوم جيلان احدهما فقير ضائع وقد يكون عاطلا ومنقطعا عن الدراسة وهم الاقلية جدا ويعانون من وحدة ومن ضياع ومن فقدان الانسجام الذي يحتويهم وهناك جيل آخر مرفه وناعم ويعيش في بحبوحة البلاك بيري وهو الذي يخطف الاضواء من حوله ويسبر غور التداعيات الالكترونية التي يعيشها العالم من حولنا وهي تداعيات قد تبدو غريبة عن مجتمعنا البحريني في غالبيته الغارق في الافكار الحلال والحرام والمسموح والممنوع والمرغوب والمرفوض حتى اصبح التدخل يشمل ما يأكله الانسان وما يلبسه وما يتنفسه، وانظر الى ما يحيط بفتيات صغيرات في عمر الزهور وفتيان حالمون في عمر الحياة نفسها اغرقهم الأهل في بحيرة من السواد والمحرمات الممنوعات حتى لم يعودوا يشمون رائحة العشب الاخضر واصبح البلاك بيري من المحرمات كذلك. هذا الجيل كتب عليه ان يُحبس مثلما حبس الاهل انفسهم في قمقم الحياة المسكونة بالخوف والحرمان والفقر ولم نعد نرى اطفالنا يضحكون مثل اطفال العالم، ولعل من المخيف ان ما ينتظرهم أسوأ مما يحدث لهم الآن اذا استمرت دورة الحياة برتابتها الحالية